مراسيم تعميد بەرێ شباکێ في معبد لالش: بين الفهم السطحي والعمق الروحي
الكاتب ديار نعمو
مراسيم تعميد “بەرێ شباکێ” في معبد لالش تحتل مكانة محورية في العقيدة الإيزيدية، حيث ترتبط هذه الطقوس بإيمان عميق وروحانية تتجاوز الفهم السطحي للظواهر الدينية. يمكن للغرباء عن هذه الطقوس أن يسيئوا فهمها، لكن عند النظر بتمعن إلى خلفياتها الروحية، نجد أن هذه الطقوس تعبر عن علاقة قديمة وأزلية بين الإيزيديين والنور الإلهي، حيث يتجسد الإيمان بوحدانية الله وعظمته.
الأبعاد الروحية لطقوس الشعوب
لكل أمة من الأمم طقوسها ومعتقداتها التي ترتبط بأديانها وثقافاتها. في حالة الإيزيدية، يعتبر الطقس الذي يُعرف بـ”بەرێ شباکێ” من أقدس الطقوس التي يمارسها المجتمع الإيزيدي. هذه الطقوس لا تُفهم بمعزل عن سياقها الثقافي والديني؛ فهي تعكس إيمانًا طويل الأمد بأسرار النور الإلهي وتجسد مفاهيم روحية لا يمكن قياسها بمقاييس الحياة اليومية أو الأنماط الاجتماعية العادية.
بەرێ شباکێ: العرش النوراني
“بەرێ شباکێ”، أو “العرش النوراني”، هو رمز محوري في العقيدة الإيزيدية، ويُعتبر مظهرًا من مظاهر النور الإلهي المتجسد على الأرض. حسب الإيمان الإيزيدي، هذا العرش هو الوحيد الذي يستقبل “السر الأزلي النوراني”، الذي يعد أول نور أرسله الله إلى العالم. يعتقد الإيزيديون أن هذا النور قد نزل مرتين فقط: مرة باسم “إيزي” ومرة أخرى باسم “شيخ آدي”، بفاصل زمني لا يتجاوز 300 عام، ويأملون في نزوله مرة أخرى في المستقبل.
بسبب قدسية “بەرێ شباکێ”، لا يُسمح له بالاحتكاك بالأرض للحفاظ على نقاوته النورانية، ويُعامل باحترام وتقدير بالغين. كل عام، يتم إخراجه لمرة واحدة فقط لتعميده بمياه “عين البيضاء” في معبد لالش، ويعتبر هذا التعميد جزءًا لا يتجزأ من الطقوس الإيزيدية التي ترمز إلى النقاء والتجديد الروحي.
التعميد والركض: تفسير المعاني الرمزية
قد يبدو مشهد التعميد ورش الماء على “بەرێ شباکێ” غريبًا بالنسبة للآخرين، لكنه يحمل معانٍ رمزية عميقة للإيزيديين. رش الماء هنا هو عملية تعميد ترمز إلى تطهير وتجديد النور الإلهي الذي يحمله العرش. الطقس لا يقتصر على الجانب المادي، بل هو جزء من عملية روحية تهدف إلى تعزيز القداسة والارتباط بالعالم العلوي.
أما ما قد يثير الاستغراب لدى البعض، فهو مشهد الركض أثناء حمل “بەرێ شباکێ”. يُفَسر هذا الركض بكون العرش النوراني ثقيلًا إلى درجة تجعل السيطرة عليه أثناء حمله تحديًا كبيرًا حتى للعديد من الحاملين. التخت الذي يحمل العرش يدفع حامليه بقوة، مما يجعل الركض أمرًا لا مفر منه للحفاظ على التوازن. هذا المشهد الذي يبدو فوضويًا يحمل في طياته رمزية دينية قوية تتعلق بقوة النور الإلهي التي لا يمكن تقييدها.
دور الأمير في المراسيم
ضمن هذه الطقوس، يلعب الأمير دورًا مهمًا من خلال الركض أمام “بەرێ شباکێ”. هذا الدور يرتبط بالتقاليد القديمة للأجداد، حيث يُعتبر الأمير من سلالة مير إبراهيم الآدمي الذي عينه شيخ آدي لتولي طقوس الجماعة. بفضل هذه السلالة، يُنظر إلى الأمير كخادم متواضع يؤدي واجباته بروحانية كاملة، متبعًا تقاليد قديمة تتطلب منه قيادة وحماية الطقوس.
الركض أمام العرش النوراني هو جزء من هذه الواجبات التقليدية التي تُمارس بتواضع وخدمة للمجتمع الإيزيدي، وهي تعبير عن الإيمان العميق الذي يربط الأمير بأصوله الدينية والتاريخية.
الروحانية والإيمان العميق
على الرغم من أن هذه الطقوس قد تبدو غير مفهومة أو فوضوية من الخارج، إلا أنها تحمل في طياتها معاني روحية عميقة للغاية بالنسبة للإيزيديين. فهذه الطقوس ليست مجرد شعائر دينية بل هي تجسيد للإيمان بوحدانية الله وتعكس رغبة المجتمع الإيزيدي في الحفاظ على نقاء وقداسة معتقداتهم.
إن “بەرێ شباکێ” هو رمز لقدرة الله ونوره الأزلي، والطقوس المحيطة به هي تأكيد على علاقة الإيزيديين بالعالم الروحي والعرش الإلهي. من خلال هذه الطقوس، يعبر الإيزيديون عن إيمانهم العميق بالوحدة الإلهية والنور الأزلي، وهي مفاهيم روحانية تعزز من تماسك مجتمعهم الديني وتحافظ على تقاليدهم المقدسة.
في نهاية المطاف، تبقى الطقوس الدينية لأي شعب تعبيرًا عن هويته الروحية ومعتقداته الخاصة. “بەرێ شباکێ” بالنسبة للإيزيديين ليس مجرد قطعة مقدسة، بل هو تجسيد لنور الله الأزلي وقدرته العظيمة. الطقوس المحيطة به، رغم أنها قد تبدو غريبة للبعض، هي جزء لا يتجزأ من إيمان عميق لا يمكن فهمه إلا من خلال الغوص في أعماق الروحانية الإيزيدية.